الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة ما كتب به عمر بن عبد العزيز من كسر معاصر الخمر: قال محمد بن رشد: قوله في أن المعاصر التي كتب عمر بن عبد العزيز أن تكسر لا أراها إلا في التي للمسلمين صحيح، لأن معاصر أهل الذمة لا يجب كسرها عليهم، لأنهم إنما بذلوا الجزية على أن يقروا في ذمتهم على ما يجوز لهم في دينهم، فلا يمنعون من عصر الخمر إذا لم يظهروها في جماعة المسلمين. وقد مضى هذا في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب السلطان وفي رسم القبلة منه، وبالله التوفيق. .مسألة بعض ما يحكى عن عيسى ابن مريم: قال محمد بن رشد: هذا كله كلام صحيح قائم من كتاب الله عز وجل. وقوله: لن تنالوا ما تريدون إلا بترك ما تشتهون قائم في غير ما آية من كتاب الله عز وجل، من ذلك قوله: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات: 40] {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 41]. وقوله ولن تبلغوا ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون، قائم من غير ما آية أيضا، من ذلك قوله عز وجل: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]، وقوله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35] إلى قوله: {وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ} [الأحزاب: 35] إلى قوله: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35]. وأمر الله عز وجل بالاعتبار بمخلوقاته في غير ما آية من كتابه فقال: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2] وقال: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران: 190] ومن مثل هذا كثير. وأمر بالتفكر فقال: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191]. انتهى السادس والحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى. .كتاب الجامع السابع: .ترك الكلام في المشكلات: كتاب الجامع السابع ومن كتاب قطع الشجر في أرض العدو، وفي ترك الكلام في المشكلات قال ابن القاسم: قال مالك كان الربيع بن خيثم يقول: ما علمت فقله، وما استؤثر عليك بعلمه فكله إلى عالمه. قال محمد بن رشد: هذا أخذه، والله أعلم، من قوله عز وجل في المتشابهات: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7]. وقد اختلف في المتشابهات التي عناها الله عز وجل بقوله: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] فقيل: هي ما استأثر الله عز وجل بعلمه مما لا سبيل لأحد إلى معرفته، نحو الخبر عن وقت نزول عيسى ابن مريم، وطلوع الشمس من مغربها، وقيام الساعة، وفناء الدنيا، وما أشبه ذلك مما لا يعلمه أحد إلا الله. وكذلك الحروف المقطعة مثل الم، والمص، وما أشبه ذلك. فعلى هذا القول لا يعلم تأويل المتشابهات إلا الله، ويكون الوقف عند آخر قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ} [آل عمران: 7] وقيل بل المتشابهات المشكلات من الأحكام التي لا نص فيها في الكتاب، وإنما جاءت فيه مجملة غير مفسرة ولا مبينة. فعلى هذا يعلم الراسخون في العلم تأويل المتشابهات بما نصب الله عز وجل لهم من الأدلة على معرفتها، وبينه النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ منها، لأن الله عز وجل يقول: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] والمعنى في ذلك أنه عز وجل نص على بعض الأحكام وأحال على الأدلة في سائرها، فعلى هذا يكون الوقف في الآية عند قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7] أي والراسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون مع العلم بتأويله: {آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7]. وقد مضى القول في تفسير هذه الآية في رسم البز، وبالله التوفيق. .مسألة إخبار الرجل عن نفسه بما فعله من طوافه على نسائه: قال محمد بن رشد: هذا جائز أن يذكره الرجل على سبيل الشكر لله بما منحه الله من الصحة وأعطاه من القدرة على الاستمتاع الذي يلذ به ويؤجر عليه، وبالله التوفيق. .مسألة حكاية عن عطاء بن يسار في قصصه: قال محمد بن رشد: هذا كان عطاء يفعله لما جاء من أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كان يتخول الناس بالموعظة مخافة السآمة عليهم» وبالله التوفيق. .مسألة وجوب حمد الله على كل حال: قال محمد بن رشد: قول أبي الدرداء للذي سمعه يحمد الله وهو يموت أصبت إن الله يحب إذا قضى أمرا أن يرضى به من حكمه التي هو موصوف بها. وروي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال فيه: «عويمر حكيم أمتي» فهو من الفقهاء العقلاء الحكماء، شهد ما بعد أحد من المشاهد، واختلف في شهوده أحدا. وأمره عمر بن الخطاب على القضاء، وكان القاضي يكون خليفة الأمير إذا غاب. وقيل بل استقضاه عثمان، وتوفي في خلافة معاوية قبل موته بسنتين. ومحبة الله عز وجل للشيء ترجع إلى إرادته مثوبة العبد عليه. وقال ابن عبد البر: لم يكن أبو يعلى شداد بن أوس ابن عم حسان بن ثابت كما قال مالك، وإنما كان ابن أخيه، وبالله التوفيق. .مسألة صفة الريح التي أرسل الله على عاد: قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذا في أول رسم من السماع، وبالله التوفيق والسداد. .مسألة كراهية طول البناء: قال محمد بن رشد: التطاول في البنيان مكروه، وقد جاء أنه من أشراط الساعة، وقد مضى الكلام على ذلك في رسم أخذ يشرب خمرا، ومضى الكلام في إنكار عمر بن الخطاب على أبي الدرداء ما بناه بحمص في رسم شك في طوافه ورسم المحرم يتخذ الخرقة لفرجه، فلا وجه لإعادة شيء من ذلك،. وبالله التوفيق. .مسألة أول من اضطرب من الأئمة البناء: قال محمد بن رشد: معناه أنه أول من اضطرب البناء من الأئمة في سفره إلى الحج وغيره، وبالله التوفيق. .مسألة لم يعذب الله قوما إلا نجى منهم من يخبر عنهم: قال محمد بن رشد: قد مضى هذا والتكلم عليه في أول رسم من السماع فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. .مسألة ما جاء في صفة البعث في القبور: قال محمد بن رشد: ليس في هذا ما يخفى فيحتاج إلى بيانه، وبالله التوفيق. .مسألة ما جاء في كثرة قوم نوح: قال محمد بن رشد: جاء في التفسير أن الله عز وجل لما أوحى إليه: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود: 36] دعا فقال: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26] الآية وقال: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} [المؤمنون: 27] أي وبوحينا {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} [هود: 38] وكان يصنع بيده فيقولون له استهزاء به كنت نبيا فصرت نجارا، قال: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ} [هود: 40]، أي انبعث الماء منه، وفي التنور غير قول: قيل عين ماء كانت بالجزيرة يقال لها التنور، وقيل كان التنور في أقصى داره، وقيل التنور أعلى الأرض وأشرفها. {قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} [هود: 40]، منهم، أي الغضب وهو ابنه الذي غرق، {وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ} [هود: 40]، قيل أربعون رجلا وأربعون امرأة، وقيل: لم ينج معه في السفينة من أهله إلا امرأته وثلاثة بنين له: سام وحام ويافث ونساؤهم، فجميعهم ثمانية، فسام أبو العرب ويافث أبو الروم، وحام أبو الحبش، وبالله التوفيق. .مسألة قول عبد الوهاب بن بخت: قال محمد بن رشد: إنما كان يقول ذلك، والله أعلم، لقول الله عز وجل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى: 20]، وبالله التوفيق. .مسألة ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الهدي المرضي وحسن الخلق: قال محمد بن رشد: وقع هذا الحديث في الموطأ بكماله لمالك عن هشام عن عروة عن عائشة قالت: «ما خير رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها». قال محمد بن رشد: «سئلت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عن خلق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: كان خلقه القرآن» فكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يختار إذا خير في أمرين أيسرهما، لقول الله عز وجل: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] ودين الله يسر، والحنيفية سمحة. وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى شدائده» وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من يسر على مسلم يسر الله عليه في الدنيا ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة». وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ينتقم لنفسه لقول الله عز وجل: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] وقوله: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]. ومن هذا في القرآن كثير. وقد كان له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ينتقم لنفسه لو شاء لكنه تأدب بأدب الله عز وجل في ترك الانتقام لنفسه، وهو في ذلك بخلاف غيره من الأمراء والخلفاء والقضاة والحكام، لا يجوز لأحد منهم أن يحكم لنفسه على أحد بحد ولا أدب ولا مال، بل لا يجوز له أن يحكم بشيء من ذلك على أحد لأحد ممن لا تجوز شهادته له من أب أو ابن أو زوجة، ولا على من بينه وبينه عداوة وعلى أجنبي، وبالله التوفيق. .مسألة صاحب الشمال يكتب ما لا يكتب صاحب اليمين: قال محمد بن رشد: في قول صاحب اليمين ما هي بالحسنة فأكتبها وقول صاحب الشمال ما هي بالسيئة فأكتبها دليل على أنه لا يكتب إلا الحسنات والسيئات، وأما المباح الذي ليس بسيئة ولا حسنة فلا يكتبه صاحب اليمين ولا صاحب الشمال. فمعنى ما نودي به صاحب الشمال، والله أعلم، أن يكتب كل ما ترك صاحب اليمين فلم يكتبه من أجل أنه سيئة عنده، فصار صاحب اليمين هو القاضي على صاحب الشمال فيما يقول إنه سيئة. والتعس: السقوط، فالدعاء به على الحمار سيئة لا حسنة كما قال صاحب اليمين، وبالله التوفيق. .مسألة ما يصاب به الأنبياء عليهم السلام: قال محمد بن رشد: هذا مما يصاب به الأنبياء ليجازوا بالصبر عليه والتسليم لأمر الله والرضا بقدره، وبالله التوفيق. .مسألة ما يجوز للرجل من قسمة ماله بين ورثته في صحته: قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال: بلغني أن سعد بن عبادة قسم ماله بين ورثته ثم غزا فمات وولدت جارية له غلاما لم يعلم به، فلما سمع أبو بكر ذلك انطلق إلى ابنه فقال له: إن سعد بن عبادة قسم ماله ولا علم له بهذا الحمل، وقد ولد له غلام ولا شيء له فقاسموه، فقال قيس بن سعد: هذا أمر شديد لم يكن ليرد أمر سعد، ولكن ما أعطاني فهو له فهذا خير له، فقال أبو بكر قد رضيت وإنما طلب ذلك طلبا وكان سعد صنع ذلك في صحة منه. قال محمد بن رشد: وقول مالك وابن القاسم: وإنما طلب ذلك طلبا صحيح، لأنه إذا كان إنما فعل ذلك في صحته لا يدخل في ذلك الاختلاف فيمن نحل بعض أولاده دون بعض جميع ماله، لأنه فعل ما يجوز له من التسوية بين بنيه ولم يتعد إذ لم يعلم بالحمل. .مسألة مرور المجتاز في المسجد: قال مالك: بلغني أن سالم بن عبد الله كان يمر بالمسجد ولا يركع فيه. قال مالك: ما زال ذلك من شأن الناس يمرون ولا يركعون. قال مالك: وقد بلغني أن زيد بن ثابت مر من المسجد ولم يركع، ثم رجع فكره أن يمر به الثانية، ولم يره يعجبه ذلك من فعل زيد في ترك المرور. فقال ابن القاسم: ولا أعلم إلا أني رأيت مالكا مر فيه ولم يركع. قال محمد بن رشد: قوله عن زيد بن ثابت ثم رجع فكره أن يمر به الثانية، يدل على أنه لم يرجع عن قوله الأول إلا أنه يكره أن يمر به ولا يركع. وإنما كره أن يتكرر ذلك الفعل منه، فأباحه في المرة الأولى وكرهه في الثانية، خلاف قوله في المدونة إنه رجع في ذلك عن الإجازة إلى الكراهة. فيتحصل في المسألة أربعة أقوال: الإجازة، والكراهة جملة من غير تفصيل، والفرق بين الأولى والثانية فيجوز في الأولى ولا يجوز في الثانية، وهو دليل قول زيد بن ثابت في هذه الرواية، وقد روى أشهب عن مالك نحو هذا القول، قال: سئل مالك عن مرور المرء في المسجد حين يخرج منه إلى حاجته ولا يركع فيه، قال: لقد كان يفعل ذلك، وإنه ليكره الإكثار منه. قيل له: فالمرة والمرتين؟ قال: أرجو ألا يكون به بأس، وهو القول الرابع، وبالله التوفيق. .مسألة الركوع بعد صلاة الجمعة في المسجد: قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذه المسألة مستوفى في صدر رسم حلف أن لا يبيع سلعة سماها، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. .مسألة الدخول على أهل الحجر: قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذا في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق. .مسألة كراهة تعلم كتاب العجم وتعليمهم الخط: قال محمد بن رشد: الكراهية في هذا كله بينة. أما تعليم الرجل ابنه كتاب العجم فللاشتغال بما لا منفعة فيه ولا فائدة له عما له فائدة ومنفعة، مع ما فيه من إدخال السرور عليهم بإظهار المنفعة في كتابهم والرغبة في تعلمه، وذلك من توليهم، وقد قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]. وأما تعليم المسلم النصراني فلما فيه من الذريعة إلى قراءتهم القرآن مع ما هم عليه من التكذيب له والكفر به. وقد قال ابن حبيب في الواضحة: إن ذلك ممن فعله مسقط لإمامته وشهادته. وقد مضى هذا في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب السلطان، وفي سماع أشهب من كتاب الجعل والإجارة، وبالله التوفيق. .مسألة الذي يذكر وهو في صلاة العصر أنه كان قد صلى: قال محمد بن رشد: النهي عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وبعد الصبح حتى تطلع الشمس نهي ذريعة، وإنما حقيقة الوقت المنهي عن الصلاة فيه عند الطلوع وعند الغروب. ألا ترى أن رجلين لو كان أحدهما قد صلى العصر والثاني لم يصلها لجاز للذي لم يصل العصر أن ينتفل ولم يجز ذلك للذي صلى والوقت لهما جميعا وقت واحد، فإنما نهي الذي صلى العصر عن الصلاة بعد العصر حماية للوقت المنهي عن الصلاة فيه لأن الصلاة فيه حرام. وروي عن المقدام بن شريح قال: «قلت لعائشة: كيف كان يصنع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يعني بعد الظهر والعصر، قالت: كان يصلي الظهر بالهجير ثم يصلي بعدها ركعتين ثم كان يصلي العصر ثم يصلي بعدها ركعتين. قال: فقلت: أنا رأيت عمر يضرب رجلا رآه يصلي بعد العصر، فقالت: لقد صلاهما ولكن قومك أهل اليمن قوم أهل طعام فكانوا إذا صلوا الظهر صلوا بعدها إلى العصر، فإذا صلوا العصر صلوا بعدها إلى المغرب فقد أحسن». فلما كان هذا الرجل الذي صلى ركعة من العصر ثم ذكر أنه قد صلى العصر في وقت ليس بمنهي عن الصلاة فيه لأن الصلاة فيه حرام وجب أن يتم ركعتين ولا يبطل عمله، لقول الله عز وجل: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] فهذا وجه قول مالك والله أعلم. ولو ذكر ذلك قبل أن يركع لكان الأظهر أن يقطع على قياس قوله في رسم أوله مرض بعد هذا. ولو ذكر قبل أن يركع من صلاة يصلى بعدها لجرى ذلك على اختلاف قول ابن القاسم وأشهب في كتاب الصيام من المدونة في الذي يظن أن عليه يوما من رمضان فيصبح صائما ثم يعلم أنه لا شيء عليه، وبالله التوفيق. .مسألة كتب القرآن أسداسا وأسباعا: قال محمد بن رشد: أنزل الله تبارك وتعالى القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا، ثم أنزل على النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ شيئا بعد شيء حتى كمل الدين واجتمع القرآن جملة في الأرض كما أنزله الله تعالى من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، فوجب أن يحافظ على كونه مجموعا. فهذا وجه كراهية مالك لتفريقه، والله أعلم وبالله التوفيق. .مسألة السلام على أهل القدر: قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يسلم على أهل القدر ولا على أهل الأهواء كلهم، يريد الذين يشبهون القدرية من المعتزلة والروافض والخوارج، إذ من الأهواء ما هو كفر صريح لا يختلف في أن معتقده كافر، ومنه ما هو هوى خفيف لا يختلف في أنه ليس بكفر. ويحتمل أن يريد أنه لا يسلم عليهم على وجه التأديب لهم والتبري منهم والبغضة فيهم لله تعالى لا أنهم عنده كفار بمآل قولهم، ويحتمل أن يريد أنه لا يسلم عليهم لأنهم عنده كفار بمآل قولهم، فقد اختلف قوله في ذلك: فله في أول سماع ابن القاسم من كتاب المحاربين والمرتدين ما يدل على أنهم كفار عنده بمآل قولهم، وله في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب منه ما يدل على أنهم ليسوا عنده بكفار، وذلك أنه قال فيهم: إنهم قوم سوء، فلا يجالسون ولا يصلى وراءهم. وله مثل ذلك في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب في الواقفية والإباضية، لأنه سئل فيه عن الصلاة خلفهم، فقال: لا أحب، وعن السكنى معهم؟ فقال: ترك ذلك أحب إلي. وقد مضى في المواضع المذكورة الكلام على هذا مستوفى مشروحا مبينا فتركت ذكره هاهنا اكتفاء بذلك، وبالله التوفيق.
|